جاءت الادعاءات الإسرائيلية حول الحقوق اليهودية في ارض فلسطين ضمن ديباجات الصهيونية والتي سعت إلى تثبيت هذه الأباطيل في أذهان العامة من الشعوب أو أنصاف المثقفين عن طريق وسائل دعايتها المختلفة Streo Type، من أجل خلق واقع استعماري يخدم مصالح القوي الاستعمارية الكبري ، ولكن تأبي حضارة فلسطين التي تمتد في عمق الأرض لكي تضرب بجذورها منذ آلاف السنين في هذه البقعة المباركة من خلال صمودها الحضاري أمام قوي الاستعمار المختلفة انه مهما طال عمر المستعمر أو قصر فلابد له من زوال وبين الحين والآخر نسمع الكثير من الجدل واللغط حول حقوق اليهود التاريخية في فلسطين فحثني ذلك للاطلاع علي كتابات لكثير من عمالقة ومتخصصي الفكر السياسي الفلسطيني سواء في العالم العربي أو الإسلامي أو الغربي وقرأت ما جادت به قرائحهم الفكرية والتنظيرية والتحليلية والتفسيرية حول الادعاءات الإسرائيلية المتباينة والتي تتضمن رؤى صهيوينة مفتعلة تعمل علي تكريس ادعاءات مزيفة ومتناقضة مع حقائق التاريخ الثابتة
إنصاف من الغرب لفلسطين وأهلها
ولقد جاء الاستعمار الإسرائيلي إلي فلسطين كغيرة من القوي الاستعمارية الاخري ، إلا أن الحركة الصهيونية التي أسست دولة إسرائيل دأبت منذ بداياتها علي زرع الأكاذيب الباطلة والدعاية المضللة حيث يحاول الصهاينة من خلال دعايتهم ووسائل إعلامهم ادعاء أن لهم حقوقا تاريخية في فلسطين فمنذ احتلال إسرائيل للأراضي العربية الفلسطينية وهي تنشر ادعاءات باطلة ضمن أساطير متعددة لكي تضفي علي وجودها شرعية لا اساس لها من الصحة ، فالاحتلال الإسرائيلي الذي جاء إلي المنطقة العربية نتيجة وعد بلفور والذي كان من آليات نجاحة تهجير اليهود من كل أنحاء العالم تحت ستار إمبريالي ودعم غربي ،لم يألوا جهدا أن ان يدعي ان ان لليهود حقوقا تاريخية في فلسطين ونحن نريد ان ندحض الحجة بالحجة لكي يري العالم كله ويشهد كذب اسرائيل البين فها هو الباحث والمؤرخ الإنجليزي H.G.Wells يقول في كتابه معالم الإنسانية " أن ارض فلسطين هي ارض الكنعانيين والفلسطينيين وبلادهم " (1) ويؤكد ذلك المؤرخ الاسكتلندي جيمس فريزر " أن الناطقين بالعربية من فلاحي فلسطين هم من ذريات القبائل التي استوطنتها قبل الغزوة الإسرائيلية لها في عهد داوود ، وأنهم ما زالوا متصلين بالأرض ولم يقتلعوا منها وان طلعت عليهم موجات من الفتوح فإنهم ثبتوا وأقاموا " ويضيف هنري كتن " انه في حوالي القرن العشرين قبل الميلاد شرع الكنعانيون وهم قبائل عربية يستوطنون السهول والبقاع الساحلية ، فأنشأوا مدنا وقري ، واخذوا يهتمون بتنمية ثقافتهم الخاصة ، وتروي لنا التوراة أن البلاد كانت تسمي ارض كنعان "علي ما ورد سفر الخروج 3 : 17 (2)
ويؤكد كيتن أن العبرانيين قد جاءوا إلي فلسطين عن طريق الغزو فعندما غزت القبائل الإسرائيلية ارض كنعان في القرن الثاني عشر قبل الميلاد بعد خروجها من مصر ، صادفت هناك أهلا قاطنين ، وثقافة قائمة وكان من جملة سكان البلاد في ذلك الحين الكنعانيون والفلسطينيون وقد أقام الإسرائيليون في تلك الفترة التي احتلوا فيها البلاد وانشأو مملكة إسرائيل في الشمال ومملكة يهوذا في الجنوب وبين عامي 733و721 ق. م وعندما اجتاح الآشوريون أقاليم المملكة الشمالية واندثرت إسرائيل اندثارا سياسيا ولم يحدث أبدا أنها استردت استقلالها بالكامل مرة أخري ، لأنه لم يكن لليهود بعد ذلك أي في زمن الحيثيين وحلفائهم آل هيرودوس إلا سلطة محلية محدودة وتعاقب الآشوريون والبابليون والإغريق والرومان علي فلسطين وبعد انقلاب اليهود علي الرومان دمر تيطس أورشليم عام 70 م بعد الميلاد " (3)
وتقول الموسوعة البريطانية " يبدوا أن اليهود في يهوذا نفسها قد اندثروا تقريبا وان عاش فريق منهم بعد ذلك في الجليل " (4)
ويضيف المؤرخ الأمريكي برايت والمعروف بتعصبة للإسرائيليين " كان العبرو أي العبرانيين ( اليهود ) غرباء عن كل بلاد عاشوا فيها وكان أهل تلك البلاد يعني فلسطين يسمونهم الغرباء "
ماهية فلسطين تدحض الأباطيل
يقول الكاتب والمؤرخ الباكستاني ظفر الإسلام خان أن ارض فلسطين الواقعة جنوبي سوريا وشرقي البحر المتوسط " أنها أرض صنعت التاريخ وصنع فيها التاريخ ويمكن أن يقال عن هذه الأرض ما قاله شيشرون عن أثينا حيثما نضع أقدامنا فنحن إنما نمشي علي التاريخ وبسبب الموقع الجغرافي ولكثرة الاتصال بالتاريخ السياسي والروحي للعالم تعرضت هذه الأرض لغزوات كبيرة سلمية وغير سلمية " .
ويضيف ظفر الإسلام خان أن أقدم أسماء فلسطين هي ارض كنعان وتوج أول إشارة إلي هذه التسمية في حفريات تل العمارنة التي يرجع عصرها إلي خمسة عشر قرنا قبل الميلاد والاسم الذي تذكره هذه الحفريات هو كيناهي او كيناهنا kinahna , kinahi وأصله كنعان kana'an وأشارت هذه الحفريات بهذا الاسم إلي البلاد الواقعة غربي نهر الأردن ومنها سوريا كما أن كنعان هو الاسم الذي تذكر به التوراة هذه البلاد ومن ثم يستطيع القاريء أن يستوضح من ذلك إن الكتاب المقدس لليهود " التوراة " يعترف بأن فلسطين ليست بلادهم وإنهم أتواليها نتيجة الغزو التي قام بها يوشع بن نون إلي هذه البلاد وقد مكثوا فيها ما لا يزيد عن قرنين من الزمان (7)
بيد انه بعد الغزو اليهودي لفلسطين أخذ العبرانيون يسمون فلسطين بأرض إسرائيل كما أطلقوا علي شرق الأردن اسم عبر الأردن Eber Hayarden أي إنهم اعتبروا شرق الأردن جزءا منفصلا عن فلسطين (8)
واسم فلسطين كما يقول ظفر الإسلام مشتق من اسم الشعب الذي كان يسكن السهول الساحلية الشمالية والجنوبية من فلسطين ويسمي " الفلستينيون " ولعل أول إشارة إلي هذا هو الاسم بلاستو Plastu الذي أطلقة الملك الآشوري أدادنيرارا الرابع AdadniraraIV حيث أشار بذلك الاسم إلي ساحل Philistia ، أي ساحل الشام الجنوبي الذي يسكنه الفلستينيون (10) ولأول مرة أطلق اسم "بالستين" الذي عربه العرب فنطقوة فلسطين علي البلاد حين صك الإمبراطور فسباسيان Vespasian هذا الاسم علي نقوده التي أصدرها عقب قهر الثورة اليهودية سنة 70م وبذلك أعطاها الصفة الرسمية بهذا الاسم لأول مرة بعد أن كانت تعرف باسم ارض كنعان علي مدار ألاف القرون من الزمان ، وكانت هذه الكلمة "بالستين " تطلق علي كل من الجزأين الساحلي والداخلي من البلاد حتى الصحراء العربية . وقد كتب هيرودوتس قبل ميلاد المسيح بأربعة عشر قرنا يعرف هذا الجزء من سوريا بفلسطين ومع مرور الأيام حل اسم بالستين محل الاسم الشامل ( سوريا الفلسطينية أو فلسطين السورية ) وبهذا المعني استخدم كلمة بالستين كل من المؤرخ اليهودي فيلوPhilo 20 ق.م – 54 ق.م ويوستيفوس Josephus37- 100 م وتوجد هذه الكلمة في العبرية باسم بلشيت Pelesheth وهذا ما يؤكد دحض الادعاءات الإسرائيلية التي تقول أن لهم حقوقا تاريخية في فلسطين ، ومما تجدر الإشارة إليه أن العبرانيين " الإسرائيليين " عندما قدموا ارض فلسطين قديما وجدوا أهلها الكنعانيين علي درجة من التقدم الحضاري فأخذوا أبجديتهم ولغتهم وانصهروا في بوتقة الحضارة الكنعانية من حيث العادات والتقاليد والعمارة ويؤكد علماء الفيلولوجيا أسماء الطبوغرافيا الشامية سامية بحتة ، امورية وكنعانية وفينيقية وآرامية وجذورها مشتركة وهو ما يؤكد عروبة الأرض الفلسطينية وامتدادها الحضاري الذي يضرب في عمق التاريخ بجذوره منذ ألاف السنيين ويدحض معها كل الادعاءات الإسرائيلية حول حقوق إسرائيل في هذه البلاد .