تتوسط فلسطين ومعها بلاد الشام قارات العالم القديم آسيا وأفريقيا وأوربا ومن ثم فان أي حركة أو هجرة بشرية أو حملة عسكرية، أو نشاط تجاري لا بد أن تمر بها، وشواهد التاريخ على ذلك كثيرة، منها قول الله عز وجل في كتابة الكريم "رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ".
وفلسطين هي المعبر أو الجسر البري الوحيد الذي يصل آسيا بأفريقيا فأوربا وبالعكس، تضيق المسافة بين البحر المتوسط وخليج العقبة إلى 240 كم بين غزة والعقبة. ويمكن تشبيه جنوب غرب فلسطين بالجزء الضيق من قمع كبير مفتوح الطرفين إلى مصر وأفريقيا من جهة وإلى بلاد الشام فأوربا وآسيا من الجهة الأخرى، فإن أنت وضعت سائلا في إحدى فوهتيه فإنه لا محالة مار بفلسطين إذا أريد له بلوغ الجهة الثانية،
ثم إن لفلسطين ساحلا طويلا على البحر المتوسط يساوي أكثر من 35% من ساحل بلاد الشام جميعها. وعلى هذا الساحل توجد الموانئ الطبيعية التي يمكن أن تنقل التجارة أو الجيوش عبر فلسطين إلى غرب آسيا أو إلى أوربا.
الموقع استراتيجيا وحضاريا
اهتم الغرب بأهمية الموقع الإستراتيجي لفلسطيني، ولذلك في 1907م دعت الحكومة البريطانية إلى عقد مؤتمر خبراء الاستعمار، وكانت مهمة المؤتمر تدارس الوسائل التي يجب اتباعها للحيلولة دون اضمحلال الاستعمار الغربي كما حدث في اضمحلال إمبراطوريات اليونان وروما مثلا، واجتمع الخبراء وتقدموا بتقرير إلى وزارة المستعمرات البريطانية وعن الجزء الخاص بفلسطين ننقل ما يلي:
"إن البحر المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار، وهو ملتقى طرق العالم فلا بد لنجاح آي خطة تستهدف حماية المصالح الأوربية المشتركة من السيطرة على هذا البحر على شواطئه الجنوبية والشرقية؛ لأن من يسيطر على هذه المنطقة، يستطيع التحكم في العالم؛ فعلى طول ساحله الجنوبي من الرباط إلى غزة وعلى طول ساحلة الشرقي من غزة إلى مرسيليا وعلى الجسر البري الضيق الذي يصل آسيا بأفريقيا وتمر فيه قناة السويس شريان حياة أوربا، وعلى طول الساحل الهندي وبحر العرب حتى خليج البصرة، حيث الطرق إلى الهند والإمبراطوريات الاستعمارية في الشرق في هذه البقعة الشاسعة يعيش شعب واحد تتوافر له وحدة تاريخية ودينية ووحدة اللغة والآمال وكل مقومات التجمع والترابط والاتحاد، وتتوفر له في نزعاته التحررية وفي ثرواته الطبيعية وفي كثرة قبائله كل أسباب القوة والتحرر والنهوض لذلك كان لا بد من التفكير في إيجاد حاجز بشري لكي يمزق الجسد العربي والإسلامي ويكون سدا منيعا أمام قيام أي وحدة عربية أو إسلامية، وقد جاء في التقرير السابق أيضا ضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الآسيوي، وذلك بإقامة حاجز بشري قوي وغريب يقام على الجسر البري الذي يربط آسيا بأفريقيا ويربطهما بالبحر المتوسط بحيث تشكل في هذا المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة".
وهذا يؤكد تلاقي مصالح الاستعمار الأوربي مع مصالح الاستعمار البريطاني أن إقامة إسرائيل في فلسطين والإصرار على بقائها هو استمرار إصرار الاستعمار على منع هذه المنطقة من النهضة، وليس كما يفهم البعض من أن الاستعمار الأمريكي والأوربي مسخر لخدمة إسرائيل والصهيونية، وهذا يفسر إصرار بريطانيا العجيب في فترة الانتداب على إقامة دولة "إسرائيل" ثم متابعة دورها بعد ذلك وتبني الولايات المتحدة لهذا الدور بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة في أواخر الخمسينيات وما زال ذلك واضحا بشكل سافر حتى الآن.
الجغرافيا التاريخيه لفلسطين
ساعدت خصوبة أرض فلسطين واعتدال مناخها وموقعها المتوسط على وجود الإنسان فيها، منذ أقدم العصور حتى الوقت الحالي، وإذا تعرضنا إلى المجموعات البشرية الأولى التي عاشت في فلسطين منذ أقدم العصور، فإن الكتابة حول هذه المرحلة الطويلة من حياة الإنسان.
لقد كان لموقع فلسطين المتوسط بين الدول التي نشأت في وادي النيل، وبلاد ما بين النهرين، والأناضول دور كبير في كتابة تاريخها، ولهذا كان لفلسطين دور بارز في عملية الاتصال الحضاري ما بين المناطق المختلفة من العالم، إذ كانت موضع تأثر وتأثير في جميع مناطق الشرق القديم، وشرق البحر المتوسط، وشمال إفريقيا.
كان لموقع فلسطين المتوسط ما بين القارات الثلاث: آسيا، وأفريقيا، وأوربا، دور كبير في كتابة تاريخها، خاصة أنها تعتبر المدخل الرئيسي لهذه القارات، كما أنها حلقة الوصل ما بينها بشكل عام، وما بين مصر القديمة والمناطق الآسيوية الأخرى بشكل خاص.
يمكن تقسيم فلسطين طوليا حسب الآتي: الساحل والسهل الساحلي الفلسطيني، المقصود به سهل عكا، سهل مرج ابن عامر، وسهل يافا، والساحل الفلسطيني الجنوبي ثم المنطقة السفلى الواقعة بين الجزء الجنوبي للسهل الساحلي ومنطقة جبال القدس والخليل، وسلسلة الجبال الداخلية المقصود بها امتداد سلسلة جبال لبنان التي تنتهي بجبال الخليل، منها جبال الجليل شديدة الارتفاع ومناخها البارد، وجبال نابلس، وجبال القدس، وجبال الخليل، ثم منطقة بئر السبع النقب تبدأ من وادي الخليل شمالا حتى وادي السبع جنوبا الذي يتجه غربا حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم تتجه غربا إلى سيناء وباتجاه الجنوب والجنوب الشرقي إلى الجزيرة العربية مرورا بالعقبة. ثم منطقة وادي الأردن الواقعة بين جبل الشيخ في الشمال والبحر الميت في الجنوب وتشمل منطقة الحولة، وبحيرة طبريا، والبحر الميت، ووادي عربة، والتي تعتمد جميعها على مياه الأمطار بشكل رئيسي والينابيع والأنهار (الأردن والمقطع وإبراهيم والعوجا وروبين والدالية.